الأحد، 12 ديسمبر 2010

الميدان

الميدان

مرجريت دورا

القاعدة أن أي عمل فني يطمع صاحبه في أن يكون له مكان في تاريخ الأدب والفن أن يدور علي مشكلة إنسانية ، مشكلة إنسانية لا مغامرة غرامية أو سلسلة مغامرات بهلوانية..


لأن مغامرات الهوي وأقاصيص البطولة أيسر شئ علي القصاص


ماذا يفعل الأديب اليوم ؟


لابد من طريق جديد طريق قد يستهجنه الناس أول الأمر ثم يستسيغونه بعد ذلك ، كما فعل بابلو بيكاسو في الرسم


لابد من طريق جديد في القصص


وهذه القصة نموذج من ذلك الأدب الجديد موضوعها ؟ ماذا أقول ؟ إنسان وإنسانة


لا أقول رجل وإمرأة فإن هذا الوصف يستدعي في ذهن القارئ صورا مما يقع في القصص بين الرجال والنساء


في قصتنا هذه لا حب ولاهيام لا كراهية أو خصام ، ليس هناك إلا السلام والكلام ..


فالقصة محاورة ، بين إنسان وإنسانة الرجل لا اسم له والمرأة كذلك لا نعرف كيف نناديها


هي خادمة وهو بائع جوال ..


إنسان مجهول وإنسانة مجهولة


مشكلتهما ؟ مشكلة البشر جميعاً ، الكبار والصغار ، الفقراء والاغنياء ، الضعفاء والاقوياء : السعادة


الفتاة تطلبها في إلحاح ، لأنها شابة أولاً ولأن المرأة لا تتخلي عن الأحلام ثانياً ..


أما الرجل فيائس منها ، نسيها في غمار السعي للقمة العيش وكفاح الأيام الذي يبدأ مع كل صباح ..


ولكنه علي فقره ويأسه يمثل في نظر هذه الشابة أملاً .. إنه رجل ، والسعادة في إحساس المرأة نادراً ما تتمثل في غير رجل ..


والاثنان يعانيان هذا المرض الذي يعانيه أبناء عصرنا الملل


ملل طويل يجعل الحياة لونا من انتظار صبور للموت


الرجل مل ، لأن السعي الأليم المتواصل جعل حياته وكأنها لون من النعاس .. والشابة ملت ، لأن العمل في البيوت بطبعه ممل سقيم


وفي صحراء الملل لا يجد الفقراء إلأا تسلية وحيدة : الكلام


وهذا هو لباب حكايتنا هذه : كلام .. كلام طويل .. سؤال وجواب متصلان من الغلاف للغلاف ، كلام بسيط ، إنه الكلام الذي تتألف منه حياة الملايين ..


وأنت إذا تأملت قليلا تبينت أن معظم جهود البشر كلام ..


مؤلفة القصة أديبة فرنسية إنها لا تبحث عن الجنس كما تفعل فرانسواز ساجان .. ولا تجري وراء الشهرة مثل تلك الشابة العجوز التي ملأت الدنيا بهذيان المراهقات ..


إنها أديبة تكتب في صمت ، وتصل بصمتها إلي أبعد مما يصل إليه أصحاب الضجيج ..


والقصة تدور في ميدان صغير من ميادين إحدي المدن رحبة واسعة من الدكاكين والبيوت رحبة يتلاقي فيها الناس ويلعب الاطفال وربما كانت فيها حديقة .. وعلي جوانب الميدان مقاعد لمن يريد أن يجلس ويستعرض الدنيا وهي تجري مام عينيه


ومقعد أو دكة من هذه هي مسرح القصة ، عندها يلتقيان وعندها أيضا يفترقان


الفتاة جالسة علي مقعد خشبي ترعي غلاما من أولاد البيت الذي تعمل فيه علي الطرف الآخر من المقعد يجلس رجل ..


الطفل يقبل من بعيد ويقولأنه جائع ينتهز الرجل الفرصة ليبدأ الحديث مع الفتاة ، فينر إلي الطفل ثم إليها ويبتسم ويقول عنده حق


دون تكلف ترد الفتاة ثم تعطي الطفل شطيرتين ثم ينطلق ليواصل اللعب لقد قام بمهتمه أعطي الغريبين فرصة الكلام فرصة الحياة .. وكل تعارف في الدنيا بين رجل وامرأة يحتاج إلي هذه الوصلة ليبدأ كل شئ


يبدأ الكلام كلام تافه كلام عن الجو عن الميدان


ثم يبدأ حديث آخر هل تبيع شيئ في أسفارك


نعم هذه هي حرفتي


نفس الاشياء


......

ويتصل الحديث او الاستجواب ان شئت ، أسئلتها لها معناها معظمها بسيط أو تافه ولكنه وسيلتها لاقتحام الحياة علي رجل ، دون وعي منها تدخل حياته شيئاً فشيئاً تطلع طبيعي من بنت حواء ، الرجل يجيب وكأنه يدافع عن نفسه ، موقف الرجل من المرأة دائماً ..


الكلام .. طريق الحيا ة


في القسم الثاني الحديث يجري بين رجل وامرأة إن الرجل يتحدث بإرادة الرجل ، إنه ينصح ويوجه ، في تردد دائماً ، في حياء دائماً ، ولكن في قوة


لقد عرفت حواء كيف تخطو به هذه الخطوة ، أشعرته بأنها في حاجة إلي حماية ، لا حمايته هو بالذات بل أي حماية ، قالت له أنها تشعر أحياناً بالخوف ، ثم سألته هل هو أيضاً يشعر به ، قال إنه يشعر به أحيانا ..


أصبح الخوف من الحياة ، الخوف من الوحدة ، رابطاً جديداً بينهما ..


.


في القسم الثالث الاثنان أصبحا شيئاً واحداً ، إنهما يتكلمان نفس الكلام ، يحسان أنهما متفقان


ماداما متفقين فلم لا يستمران ؟


إنه الآن يتدخل في حياتها بالفعل ، يتألم لأنهم يعذبونها وهي صامته لا تحتج


وما فائدة الاحتجاج الخادمة لا أمل لها في حياة أخري إلا بالزواج


وهي واثقة من ذلك ولما لا يكون هو هذا الطارق ؟ ولكنها لا تنطق بهذا السؤال يكفيها أنها أحست أنه يجول في ذهنه أيضاً..


تقص عليه قصة المرأة العجوزة التي في الثمانين والتي تنظفها كل يوم لتشعره أنها بلغت من الضيق مبلغه وأنها مستعدة لأي شيئ لكي تغير مجري حياتها


الرجل في أثناء ذلك لا يتحدث إلا بمقدار إنه يفكر .. الشابة تحس أنه يفكر فيها .. هذا بالضبط ما تريد


الطفل يذهب ويعود


عندما تغرب الشمس يعود ليقول إنه يريد أن ينام


حلت ساعة الفراق


الفتاة تستمهل الغلام ولكنه لايريد ..


ولكن لا بد مما ليس منه بد


لابد أن تنصرف


ويظل هو جالسا يفكر بدأت همومه لقد ارتبط دون أن يتكلم وتختفي الفتاة عن نظره


وفي سكونه وصمته أحس أن حياته دخلت دور جديد لم يعد وحيداً


وهكذا تبدأ الحياة للملايين
.........................................
مختصر من كلام دكتور حسين مؤنس كتب وكتاب

ومنقول من مدونة أروع ما قرأت

0 التعليقات:

إرسال تعليق