السفير 11
ان البشر آخر المطاف ، انما تقتلهم الكلمات .
ولعل هذا هو ما كان يقصده ذلك الروائي حين قال لي انه يعرف معاني الكلمات وانه
لذلك يحترمها
فاقترحت ان يلجأ - كونغ- الي منزل ( الصيني رقم 1) لأن هذا الرجل
كان فوق الخطر مهما اختلفت الانظمة، فكل حي " شولون" سيثور لو أن زعيمه
تعرض لأي سوء.
وافق
كونغ ولقد كان سر موافقته انه لايريد أن يموت سرا يسحقه عمود يسقط أو تقتله شظية
من قنبلة . بل يريد أن يقبض اعداؤه علنا عليه ، أن يضطرهم الي خيار واضح: فإما ان
يقتلوه وغما ان يحاكموه علناً، ولو قتلوه آخر الامر المهم ان يجبرهم علي ذلك وان
يعرف الناس ما فعلوه، حينئذ يصبح سفير الولايات المتحدة في خزي من الصفقة التي
عقدها مع ( الجنرال قائد الانقلاب) وزملائه . هذا ما يفكر فيه .
حين يقوم رجل ساذج بعمل طيب توحي به سذاجته فلا
يصح أبداً أن يستهان به.
الخير لا يصل أبدا إلي الحد الذي ينبغي له ،
والشر يذهب دائماً إلي أبعد من الحد الذي ينبغي أن يقف عنده، ولذلك يخطئ كلاهما
هدفه .
التربية الكاثوليكية تولد جفافا في النظرة
اللاهوتية وتزمتا في الموقف الأخلاقي يجعلانها شرا في ذاتها ، لانها بهما تفتقر
الي التسامح وإلي الفهم والي المحبة.
ولكن الحقيقة الوحيدة هي انني حاولت ان اصب شعبا
آسيويا بكامله في قالب واحد، لم استطع ان افعل ذلك . استطاعه ماوتسي تونغ،
واستطاعه هوشي مينه، لان لديهما انجيلا بالغ البساطة، يمكن ان يفهمه أي انسان،
ولأنهما امتلكا من قسوة القلب ما ساعدهما علي حشو هذا الانجيل بالقوة في حلق كل انسان، فإما ان يختنق به واما
ان يهضمه .
الديبلوماسية شأنها شان فنون المسرح الأخري ،
تقوم علي التنازل عن الشك وعن تقبل وهم الواقع .
لقد مات كونغ وأصبح الجنرالات في السلطة ومع ذلك
لاشئ حسم ولا شئ أصبح مضمونا وهاهو ذا طامح جديد الي اغتصاب السلطة قد بدأ يعد
عدته في السر وفي ذات يوم قريب أم بعيد سيبدأ السباق نفسه مرة أخري. وانا المقامر
الخبير سيكون علي مرة اخري أن اشترك في نفس اللعبة: ادعم هذا وأراهن علي ذاك، ثم أقتل الخاسر ... السفير
لم اكن استطيع الاسراع بمغادرة البلاد دون ان
يكون في ذلك حكم ضمني علي سياستنا وعلي أسلوبي في تنفيذها .. السفير
ولكن ارتحالي هذا لن يكسبني لا شرفا ولا رضي عن
الذات ما دمت لا اعتزل عن مبدأ بل عن عجز، عجز لا يخفف أبدا من حقيقته أني كنت
وحدي أعرف أمره....السفير
كان اذن مريرا علي نفسي ان أراني، وانا بعد في
منتصف العمر، مفلساً من الطموح ومن الشرف، ومن الاحترام لذاتي.... السفير
القلب ينظر عبر النافذة فيري مالايفهمه، ويشتهي
مالا يستطيع امتلاكه. وهو لذلك مضطرب وجل .. اما الشجرة فتنظر ولكنها لا تري وتنتصب
ولكنها لا تتحرك ، وتنمو ولكنها لا تشتهي. فإذا استراح الرجل تحت شجرة واستند الي
جذعها واستظل باوراقها ، شارك في حياة الشجرة دون ان يبدد حياته. والمنزل يؤوي
المراة ، والمراة تحتوي الرجل ، ومن هدوئهما تولد الحياة .. وانت ياصديقي ، عليك
ان تغلق النافذة التي تطل علي الخارج وأن تبدأ بالنظر الي الداخل بحثا عن ذاتك
الحقيقية لذلك ستجلس في حديقتي وتصبح شجرة ..
والطمأنينة؟
اللطمأنينة تاتي مع الاشراق ، الذي يجده من لا
يطلبه
الرجل الامريكي نحن لسنا فييتنامين ولا يابانيين
ولا ماليزيين ، فكيف نستطيع إذن ان نقول لهم كيف يجب ان يسلكوا وبأي شئ يجب أن
يؤمنوا ليعيشوا عيشة راضية ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق