رواية كوكو سودان كباشي
لقد سحرتني سلوي بكر بأسلوبها البديع وهي تحكي قصة خالدة تلك المحامية التي تعيش مع عمتها وأخذت تذهب بي يمنة ويسرة وهي تنسج بحرفية عالية أشخاص روايتها وتسحبني ببطأ لقضيتها
ولكن ما القصة ؟
تحكي سلوي بكر قصة أورطة من الجيش المصري (جنود مصريين وسودانيين) وحرب المكسيك
وأغلبنا لا يعلم شيئا عن ذلك هل حارب شيئ من الجيش المصري في المكسيك؟؟؟
تدور القصة حول شاب مكسيكي يقابل خالدة المحامية ويحكي لها أن أصله مصري وأن لديه أوراق مذكرات جده عثمان حنفي وأنه لم يستطع أن يثبت أي شئ ويلقي عليها أمر تلك المهمة الثقيلة وهي التحقق من صحة نسبه وأنه من أصول مصرية ، يعطيها المذكرات وتبدأ هي في قراءة المذكرات والبحث والتنقيب في أوراق تاريخ حقيقي لبشر من لحم ودم ، بشر عاشوا وماتوا دون أن ينتبه إليهم أحد ودون أن يتذكرهم أحد ذات يوم ، بكل ماحوته حياتهم من آلام وآمال ،ودموع حرب ..لم يختاروا يوما دخولها أو المشاركة فيها ، وأُجبروا علي أن يكونوا وقودها ونارها إجبارا
نعم تلك هي القصة ولكن سلوي بكر تجاوزت الحد الشخصي لتعبر إلي الحد الإنساني وقصة العبيد وقصة البشر
وملمح رائع في قصتها أنها لم تكتفي بالسرد ، سرد الواقع المؤلم لجعل الناس يخوضون حربا ويقاتلون عدوا لا يعرفونه ولا ضغينة في الاصل بينه وبينهم ، جنود يقاتلون حتي الموت ، ليس في السودان حتي ، لأجل حاكم الخرطوم وليس في مصر لأجل عيون الخديوي وليس في استانبول لأجل الحفاظ علي الخلافة وبابها العالي ، ولكن في المكسيك لأجل فرنسا ولأجل إمبراطورها نابليون الثالث
لأجل أن يحصل ملك فرنسا علي مزيد من نبيذه الفاخر في كأسه الكرستالي ويتمكن من مص دماء عبيد آخرين لن تغيب آثار دمائهم المسفوحة عن أطباقه وأوانيه الفضية أثناء الطعام ، ولكي تتمختر امرأته وأمثالها في أثوابها الحريرية الفضفاضة
وما المقابل الذي سيجنيه الوالي المصري إذا كان ثمة ثمن أو مقابل لا أحد يعلم
ولكنها لم تحكي التاريخ وسكتت ، لم تكتفي بمصمصة الشفاة وإسالت العبرات علي ذلك بل أقامت محاكمة لهم وحكمت عليهم هنا الملحظ المهم ليس الكاتب هو من يحكي الأمر ويمر
حكت المحاكمة في أسلوب رائع وهي تقص رؤية رأتها خالدة وهي نائمة كان المتهمون فيها ملك فرنسا والخديوي سعيد والخديوي إسماعيل
ثم أوضحت موقفها من المنظمات الحقوقية وعملها
تلك إذن رواية لصاحبتها رؤية ولها قضية كما أن لها أسلوب بديع رائع ليتنا نحن من نعطي الجوائز إذن لأعطيناها جائزة
ومن العبارات التي أستوقفتني أثناء قرائتي لها :
كلية الحقوق كل ما أتعلمه في هذه الكلية هو في الحقيقة أساليب رفيعة معقدة ابتكرها البعض للتحايل علي البعض الآخر في هذا العالم
المعني الحقيقي للفقر : الذل والقهر والهوان
الإسلام لا يعرف الكهنوت وأي إنسان يستطيع أن يكون شيخاً لو قرأ القرآن الكريم وتفقه في الدين
فقرة تحكي فيها حال عثمان حنفي وهو جد الرجل المكسيكي الذي جاء ليبحث عن أصوله المصرية بتلك الأوراق يقول فيها :
ثم إنني رتبت أموري والضيق واليأس يأخذان مني مأخا وقلت لروحي : حسبي الله ونعم الوكيل منكم يا ظلمة يا كفرة ، وكنت أقصد حكومة الخديوي وعسكره ، والتي ما بات خافيا علي أحد الآن ظلمها وافتراؤها فمالي أنا والابتعاد عن الأوطان ، فالغربة ليست لأمثالي ، وليتني كنت ذاهباً إلي مكة أو القدس ، بل ذاهب إلي بلاد بعيدة غريبة لا يعلم ما بها إلا الله وكان ما يؤرقني هو أنني لم أكن موقنا من زمن بعينه أعود فيه إلي دياري ، ولازمان أعقد فيه عقد لقاء مع أحبتي وأترابي ، ولولا ما يمكن أن يقال عني ، لكنت بكيت كما تبكي النساء ، لكني تجلدت وتماسكت وأنا أتذكر قول الشاعر :
ولست بمفراح إذا الدهر سرني
ولا جازع من صفه المتقلب
ولا أتمني الشر والشر تاركي
ولكن متي أُحمل علي الشر أركب
كوكو بلغة جبال النوبة تعني الأخ الأكبر ، كما أن كاكا تعني الأم ، وفافا هي الأب
أظن أننا جميعا كبشر في حاجة إلي بعض الأوهام ، أوهام تدفعنا للحلم وتمنحنا القدرة علي مواصلة الحياة ، يظن البعض يا خالدة أن الموت هو اللغز ، لكن صدقيني ، الحياة هي اللغز الحقيقي
طبعت الرواية دار مريت عام 2004
وطبعتها مكتبة الأسرة عام 2008
لقد سحرتني سلوي بكر بأسلوبها البديع وهي تحكي قصة خالدة تلك المحامية التي تعيش مع عمتها وأخذت تذهب بي يمنة ويسرة وهي تنسج بحرفية عالية أشخاص روايتها وتسحبني ببطأ لقضيتها
ولكن ما القصة ؟
تحكي سلوي بكر قصة أورطة من الجيش المصري (جنود مصريين وسودانيين) وحرب المكسيك
وأغلبنا لا يعلم شيئا عن ذلك هل حارب شيئ من الجيش المصري في المكسيك؟؟؟
تدور القصة حول شاب مكسيكي يقابل خالدة المحامية ويحكي لها أن أصله مصري وأن لديه أوراق مذكرات جده عثمان حنفي وأنه لم يستطع أن يثبت أي شئ ويلقي عليها أمر تلك المهمة الثقيلة وهي التحقق من صحة نسبه وأنه من أصول مصرية ، يعطيها المذكرات وتبدأ هي في قراءة المذكرات والبحث والتنقيب في أوراق تاريخ حقيقي لبشر من لحم ودم ، بشر عاشوا وماتوا دون أن ينتبه إليهم أحد ودون أن يتذكرهم أحد ذات يوم ، بكل ماحوته حياتهم من آلام وآمال ،ودموع حرب ..لم يختاروا يوما دخولها أو المشاركة فيها ، وأُجبروا علي أن يكونوا وقودها ونارها إجبارا
نعم تلك هي القصة ولكن سلوي بكر تجاوزت الحد الشخصي لتعبر إلي الحد الإنساني وقصة العبيد وقصة البشر
وملمح رائع في قصتها أنها لم تكتفي بالسرد ، سرد الواقع المؤلم لجعل الناس يخوضون حربا ويقاتلون عدوا لا يعرفونه ولا ضغينة في الاصل بينه وبينهم ، جنود يقاتلون حتي الموت ، ليس في السودان حتي ، لأجل حاكم الخرطوم وليس في مصر لأجل عيون الخديوي وليس في استانبول لأجل الحفاظ علي الخلافة وبابها العالي ، ولكن في المكسيك لأجل فرنسا ولأجل إمبراطورها نابليون الثالث
لأجل أن يحصل ملك فرنسا علي مزيد من نبيذه الفاخر في كأسه الكرستالي ويتمكن من مص دماء عبيد آخرين لن تغيب آثار دمائهم المسفوحة عن أطباقه وأوانيه الفضية أثناء الطعام ، ولكي تتمختر امرأته وأمثالها في أثوابها الحريرية الفضفاضة
وما المقابل الذي سيجنيه الوالي المصري إذا كان ثمة ثمن أو مقابل لا أحد يعلم
ولكنها لم تحكي التاريخ وسكتت ، لم تكتفي بمصمصة الشفاة وإسالت العبرات علي ذلك بل أقامت محاكمة لهم وحكمت عليهم هنا الملحظ المهم ليس الكاتب هو من يحكي الأمر ويمر
حكت المحاكمة في أسلوب رائع وهي تقص رؤية رأتها خالدة وهي نائمة كان المتهمون فيها ملك فرنسا والخديوي سعيد والخديوي إسماعيل
ثم أوضحت موقفها من المنظمات الحقوقية وعملها
تلك إذن رواية لصاحبتها رؤية ولها قضية كما أن لها أسلوب بديع رائع ليتنا نحن من نعطي الجوائز إذن لأعطيناها جائزة
ومن العبارات التي أستوقفتني أثناء قرائتي لها :
كلية الحقوق كل ما أتعلمه في هذه الكلية هو في الحقيقة أساليب رفيعة معقدة ابتكرها البعض للتحايل علي البعض الآخر في هذا العالم
المعني الحقيقي للفقر : الذل والقهر والهوان
الإسلام لا يعرف الكهنوت وأي إنسان يستطيع أن يكون شيخاً لو قرأ القرآن الكريم وتفقه في الدين
فقرة تحكي فيها حال عثمان حنفي وهو جد الرجل المكسيكي الذي جاء ليبحث عن أصوله المصرية بتلك الأوراق يقول فيها :
ثم إنني رتبت أموري والضيق واليأس يأخذان مني مأخا وقلت لروحي : حسبي الله ونعم الوكيل منكم يا ظلمة يا كفرة ، وكنت أقصد حكومة الخديوي وعسكره ، والتي ما بات خافيا علي أحد الآن ظلمها وافتراؤها فمالي أنا والابتعاد عن الأوطان ، فالغربة ليست لأمثالي ، وليتني كنت ذاهباً إلي مكة أو القدس ، بل ذاهب إلي بلاد بعيدة غريبة لا يعلم ما بها إلا الله وكان ما يؤرقني هو أنني لم أكن موقنا من زمن بعينه أعود فيه إلي دياري ، ولازمان أعقد فيه عقد لقاء مع أحبتي وأترابي ، ولولا ما يمكن أن يقال عني ، لكنت بكيت كما تبكي النساء ، لكني تجلدت وتماسكت وأنا أتذكر قول الشاعر :
ولست بمفراح إذا الدهر سرني
ولا جازع من صفه المتقلب
ولا أتمني الشر والشر تاركي
ولكن متي أُحمل علي الشر أركب
كوكو بلغة جبال النوبة تعني الأخ الأكبر ، كما أن كاكا تعني الأم ، وفافا هي الأب
أظن أننا جميعا كبشر في حاجة إلي بعض الأوهام ، أوهام تدفعنا للحلم وتمنحنا القدرة علي مواصلة الحياة ، يظن البعض يا خالدة أن الموت هو اللغز ، لكن صدقيني ، الحياة هي اللغز الحقيقي
طبعت الرواية دار مريت عام 2004
وطبعتها مكتبة الأسرة عام 2008
0 التعليقات:
إرسال تعليق