الأحد، 3 أكتوبر 2010

العالم عام 1984 - 3


إذا منحت الفرد الأمن الغذائي والمعيشي ، بالاضافة إلي وقت الفراغ ، فإنك تزيل الغشاوة عن جموع الشعب ككل ، وهي غشاوة يرسفون في أغلالها بسبب الجهل ، وبسبب الحاجة ، الانسان إذا شبع وأستقر سيفكر لنفسه بنفسه ، وما أن يصل الانسان إلي هذه المرحلة فسيكتشف حتما أن هذه القلة المتميزة لا تؤدي وظائف اجتماعية حقيقية ، باستثناء التسلط وبالتالي فالخطورة الحتمية التالية هي اكتساح هذه القلة والقضاء عليها ، أي أنه علي المدي البعيد المجتمع الطبقي الهرمي البادئ من طبقات دنيا إلي طبقات أعلي ، لا يمكن أن يستمر بقاؤه الا باستمرار بقاء الفقر وعدم الوعي .



ليس بحل عملي أن تبقي جموع الشعب في حالة فقر مصطنع بتقليل نتاج الآلة ، حدث هذا بالفعل في نهاية مراحل الرأسمالية ، إذ تم تجميد حجم الانتاج العام في أقطار كثيرة ، بل وتركت الارض دون ميكنة زراعية حتي يمكن الحد من انتاجيتها ، وتم وقف التقدم في استخدام الآلة ، ومنعت قطاعات كبيرة من الشعب من أن تمارس حق العمل ، وأبقيت عن عمد تعيش علي ما تهبه لها الدولة من معونة اجتماعية لكن هذا النظام أيضا ، وإن كان قد ضمن سيادة الطبقة ، فقد أفضي من ناحية أخري إلي ضعف الدولة ككل عسكريا وماديا وطالما كانت هذه القيود المفروضة مصطنعة بالفعل ، فالدفاع عن بقائها أصبح مستحيلا ..


كانت المشكلة آنذاك معادلة صعبة ، لأن السلع يجب أن تنتج طالما وجدت آلة لانتاجها ، لكن نتاج الآلة نفسه يجب الحد من مدي توزيعه حتي لا ينتفع الكل فيشبع ، الحل الوحيد لبقاء وضع شاذ كهذا هو استمرار استخدام العنف ، أي اللجوء إلي الصراع العسكري واللجوء إلي السلاح


ومعروف أن نتيجة الحرب هي الدمار ، ليس دمار النفس البشرية فقط بل دمار جانب من الانتاج المادي مثله ، إن الحرب عمليا أو الجهد الحربي عموما هو وسيلة لامتصاص أي فائض في طاقة الانسان العامل

جميع أعضاء التنظيم الداخلي علي يقين راسخ من هذا النصر الحتمي القادم ، كمبدأ وكعقيدة لا تقبل الجدل ، وهذا النصر سيتحقق إما بالاكتساب الدائم لأراضي جديدة وضمها " لاوشانيا" وبالتالي الوصول إلي قوة عسكرية سياسية هائلة ليس من الممكن الوقوف أمام سطوتها أو عن طريق اكتشاف نوعيات جديدة من أسلحة مبتكرة لا سبيل لوقف تأثيرها المدمر ، والبحث الدؤوب عن نوعية متقدمة من الاسلحة الفتاكة ، يظل مستمرا دون توقف ، وهو يكاد يكون المجال الوحيد اللذي يتحقق من خلاله للعقلية الابتكارية أو التخيلية أن تمارس نشاطها الخلاق .

لكي تحتفظ كل قوة عظمي ببنيتها وهيكلها الاساسي ، ألا يتم أي اتصال بينها وبين أجانب من خارجها ، فيما عدا الاتصال المحدود بالطبع ،بالاسري والعبيد الملونين ، فحتي حلفاء اليوم يجب أن ينظر إليهم بأقصي حد ممكن من الحذر الواجب تحسبا للمستقبل ....


وممنوع علي موطنيها أن يدرسوا لغات هؤلاء الاجانب والهدف من هذا المنع منطقيا ، أنه لو سمح لمواطني أي من تلك القوي العظمي أن يحتفظ بسائر مواطني القوي الاخري لاكتشف أن أهلها أناس عاديون .. بشر مثلهم .. لهم نفس الامال .. ويعانون من نفس المخاوف ..ان معظم ما يقال لهم عن طريق وسائل الاعلام هو مجرد مجموعة منسقة من الأكاذيب .
...........
تأسيسا علي ماسبق فإن الحقيقة المجردة هي أن أيا من القوي الثلاث ليس مقدورها غزو القوتين العظميين الاخرين ، بل إن هذا الغزو علي افتراض نجاحه لن يحقق للمنتصر مكسبا حقيقيا بل علي العكس إن بقاء الصراع دون حل بينهم فيه استثارة لقواهم الداخلية
....
استمرارية الحرب قد أدت إلي تغير في طبيعة الجرب ذاتها لأن مفهوم الحرب في الماضي كان عيني حدثا طارئا غير مادي سيستمر لفترة تطول أو تقصر لكنه حدث طارئ له نهايته .

0 التعليقات:

إرسال تعليق