الدون الهادئ 2
(النهر الهادئ)
وثرثرت النساء كثيرا حول
هذا الموضوع حتى شغلن به عن مطاردة براغيثهن ،
وكان الفجر ذو الذيل الأحمر يلتقط النجوم كالحب
من على سطح السماء المتعددة الألوان ، وهل القمر خلال شرخ فى سحابة متكسرة
"انهض أيها الفلاح . "
وفلاح هى أقذع كلمات السباب التى يسع ميتكا أن يستخدمها .
وكان الذباب يقضى ليلة على هذه الكرات ،
وابلتع الليل شبحها الداكن .
"فأسنانك تبدو فى فمك كالسكرانة ، واحدة
فى ناحية ، وواحدة فى الناحية الأخرى "
وتململت على مقعدها ، وقد وخزتها المكنسة التى سرقتها من السقيفة ، وأخفتها
تحت معطفها ، فالتقاليد التى تؤكد أن الخاطبين الذين يسرقون مكنسة الفتاة ، لا
يرفضون مطلقا .
" إن الكلب لا يلتفت إلى كلبة لم تتمسح به ...."
هكذا يمضي شولوخوف يبهرك بتراكيب وجمل بديعه
ويصف خطوبة جريجور بتلك القطعة
اشتهر آل كورشونوف بأنهم أغنى أسرة فى قرية
تتارسك ، فلديهم اربعة عشر زوجا من العجول والخيل ، وفرسان ، وخمسة عشر بقرة
وماشية أخرى لا حصر لها ، وقطيع يبلغ عدة مئات من الرؤوس ، وكان البيت ذا السقف
الحديدى يماثل فى حسنه بيت التاجر موخوف ، به ست حجرات مفروشة ، وفناؤه مرصوف
ببلاط جديد أنيق ، ومساحة حديقته ثلاثة أفدنة جيدة ، ماذا يمكن أن يطلب الانسان
أكثر من ذلك ؟
لذا كان بانتا ليمون خجلا مترددا وهو يؤدى زيارته الأولى لآل كورشونوف
مقترحا الزيجة ، فبوسع آل كورشونوف أن يجدوا لابنتهم زوجا أغنى من جريجور ، وبانتا
ليمون يعرف ذلك ولا يريد أن يطرق بابهم سائلا خيفة أن يجابه بالرفض ، ولكن ايلينيشنا
كانت تلح عليه إلحاح الصدأ على الحديد – حتى تغلبت على عناد الرجل العجوز ، لذلك
كان يوم ذهب لآل كورشونوف يستطلع ردهم – يلعن فى أعماق قلبه جريجور وإيلينيشنا وكل
ذلك العالم الفسيح .
لم
تكن نتاليا قد أبدت ميلا لأحد من العرسان المتقدمين ، فردوا جميعا خائبين ، وكان
ميرون فى أعماقه يميل لجريجور لكفاءته القوقازية ، وحبه للزراعة ودأبه على العمل ،
وقد انتقاه من بين شباب القرية حينما فاز جريجور بالجائزة الأولى فى سباق الخيل ،
ولمن ميرون اعتقد أنه قد يحط من قدره قليلا إذا زوج ابنته من رجل فقير ، اكتسب مثل
هذه السمعة السيئة .
" دع الشابين يعولان نفسهما ، لقد علنا أنفسنا واستطعنا أن نعيش
ميسوريين ككل الناس ، دعهما يفعلان ذلك "
وامتزجت لحيتا الرجلين فى تمويجة مختلطة اللون ، وبدأ بانتا ليمون ياكل خيارة
منكمشة لا ماء فيها ، وبكى وقد جاشت نفسه بمشاعر مختلطة متناقضة .
كانت الصهرتان جالستين على صندوق غارقتين فى عناق ، وكل منهما تصم أذن
الأخرى بصوصوة حديثها ، وقد اشتعلت إيلينيشنا بحمرة فى لون التوت ، بينما كانت
ماريا مخضرة من الفودكا ، كالكمثرى الشتوية التى أصابها الصقيع .
" إننى انتظر الموت كما انتظر ضيفا عزيزا
، حان الوقت ، لقد عشت أيامى وخدمت قياصرتى ، وشربت فى حياتى ما يكفينى من الفودكا
"